يشير مصطلح الفجوة الديجيتال إلى تلك الهوة التى توجد بين المجتمعات التى تتوافر لها فرصة إتاحة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبين هؤلاء الذين لا يملكون هذه الفرصة. كما يصف هذا المصطلح التفاوت بين هؤلاء الذين لديهم المهارات والمعرفة والقدرة على استخدام هذه التكنولوجيا وبين هؤلاء المحرمون منها.
كما تتواجد الفجوة الديجيتال بين الأثرياء معلوماتياً ويتمثلون فى أصحاب الدخول المرتفعة والمستوى التعليمى المرتفع وبين الفقراء معلوماتياً من الصغار فى السن وأصحاب الدخول المنخفضة والأقل فى المستوى التعليمي، وممن يعيشون فى المناطق الريفية، وما زالت الفجوة تتسع بين الدول التى تنتمى لنفس القارة بالمثل.
وتتمثل أدوات تكنولوجيا المعلومات الحديثة في أجهزة الكمبيوتر الشخصية، الشبكة البينية (الإنترنت)، الهواتف، التلفزيون ووسائل الإعلام المختلفة … الخ، والتي أصبحت أهميتها آخذة في التزايد لتحقيق النجاح الاقتصادي وتقدم الشخصية البشرية.
وبما أن التكنولوجيا المتقدمة تولد التقدم والتطور، فدائماً ما يتم النظر إلى العلاقة بين التكنولوجيا وما يرتبط بها من تطور على أنها علاقة مباشرة (لا تتم إحداهما إلا بالأخرى)، وعليه فإن المشكلة غالباً ما يتم مناقشتها على الصعيد العالمى مشيرة إلى الفارق الكبير بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية فى امتلاكها لأدوات التكنولوجيا، والتى تعد بذلك قضية عالمية يطلق عليها اسم “الفجوة الديجيتال العالمية” مثلها فى ذلك مثل القضايا الاقتصادية أو الاجتماعية الأخرى .
يرجع ظهور هذا المصطلح فى بداية التسعينات، لكن أصل نشأته فغير معلومة. تظهر العديد من الفجوات الديجيتال الجديدة والسبب يكمن في تخلل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحياة الاجتماعية، ونجد أن هذه الفجوات متضمنة على:
أبعاد الفجوة الديجيتال (الفجوة الرقمية):
بما أن الفجوة الديجيتال تعنى عدم توازن تيارات تكنولوجيا المعلومات، فبالتأكيد تقف العديد من العوامل وراء عدم التوازن هذا، ومن بين هذه العوامل أو أبعاد المشكلة التالى:
– الأمية ومستوى التعليم:
إن الشبكة البينية – بوصفها واحدة من أهم أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحيوية – تعتمد على النص وهى بذلك تحل محل مصادر المعرفة الأخرى من التلفزيون والجرائد والكتب والمجلات، لكنها تتطلب من مستخدميها مهارات تمكنهم من التبحر خلال الكم الهائل من المعلومات وليس مجرد التلقى السلبى لها كما يحدث مع التلفزيون والنصوص المكتوبة، وهذا لا يتسنى حدوثه مع الأمية أو مع مستويات التعليم المنخفضة.
ومفهوم المعرفة الديجيتال (المعرفة الرقمية) الذي يتصل بالفجوة الديجيتال فيعنى اختلاف القدرات والمهارات في استخدام هذه التكنولوجيات على نحو ملائم وليس فقط إمكانية الحصول على جهاز كمبيوتر.
أما التعليم،
النفاذ إلى مصادر المعلومات هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستوى تعليم الفرد، والأفراد ذات مستويات التعليم الأعلى أو الحاصلين على الشهادات الجامعية أو أعلى من ذلك يمتلكون أجهزة الكمبيوتر ويستخدمون الشبكة البينية (الإنترنت ) بنسب أعلى بكثير من هؤلاء ذوى مستويات التعليم المنخفضة.
– حاجز اللغة:
الكم الهائل المتاح من المعلومات على مستوى أنحاء العالم باللغة الإنجليزية، والمتبقى بلغات أخرى غير الإنجليزية، فما العمل إذا لم تكن تتحدث الإنجليزية؟ ابحث عن أية معلومات بلغتك المفضلة غير الإنجليزية، وسوف تجد المعلومة المقدمة فيها محدودة. فاللغة هي أكبر الحواجز على الإطلاق التى تتيح تواصل الأشخاص عبر الشبكة البينية بنجاح، وبالطبع تلعب الفوارق الثقافية دوراً لا يُستهان به بالمثل .. لكن مع حل تحدى اللغة سوف يتضاءل تأثيرها.
ونجد أن غير المتحدثين باللغة الإنجليزية في البلدان النامية يندرجا تحت فئتين، في كثير من الأحيان متداخلتين وهما: الفقراء والمسنين.
اللغة العربية والفجوة الديجيتال:
بعض اللمحات عن اللغة العربية:
تحتل اللغة العربية المرتبة الخامسة من حيث أكثر اللغات تحدثاً على مستوى العالم. ويتحدث باللغة العربية ما يزيد عن 280 مليون نسمة كلغة أولى، والغالبية العظمى منهم يعيشون في الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية، كما يتحدث بها ما يقرب من 250 مليون نسمة آخرين كلغة ثانية.
توجد ثلاث نماذج واضحة من اللغة العربية، لغة القرآن، واللغة الفصحى واللغة العامية. كما يوجد لهجات عديدة لها فنجد أن الجزائري يجد صعوبة في فهم العراقي على الرغم من أنهم يتحدون نفس اللغة.
الوضع الحالي للمحتوى العربي على الشبكة البينية:
هناك العديد من النقاط التي ينبغي أن توضع في الاعتبار عندما نتحدث عن المحتوى الإلكتروني باللغة العربية، فقد تطور المحتوى الديجيتال بسرعة كبيرة من كونه نص موجه من المعلومات على الشبكة البينية إلى نطاق عريض من الوسائل (الوسائط) الإعلامية المتعددة التي تشتمل على النص والرسوم (الجرافيك) والصوت والصورة والعديد من أنواع الوسائط الإعلامية الأخرى المتداخلة مع بعضها البعض.
ولم يعد أيضاً المحتوى الإلكتروني معتمداً على ظاهرة الكمبيوتر، لكن امتد اليوم ليشمل كافة أنواع الأجهزة الديجيتال مثل أجهزة الهواتف الخلوية (الهاتف المحمول) وغيرها من الأجهزة الأخرى.
لكن اللغة مازالت واحدة من الحواجز القليلة المتبقية على الشبكة البينية، على الرغم من أن الشبكة العنكبوتية أذابت اختلافات الوقت والمسافة بشكل كبير، لكن مازال القدر الأكبر منها بسبب اللغة. فلا توجد أهمية للمعلومات التى تتاح لك طالما لا تستطع قراءتها.
على الرغم من أن اللغة الإنجليزية هي اللغة المهيمنة على الشبكة البينية، إلا أن المحتوى باللغة الصينية واليابانية يحتلا المركز الخامس من حيث الهيمنة، بل وإن المحتوى الصيني سيحل محل المحتوى الإنجليزي بوصفها أكثر اللغات استخداماً على الشبكة العنكبوتية، وهناك العديد من اللغات الأخرى التي تمر بمرحلة نمو هائلة في مجال المحتوى.
أما الشعوب المتحدثة باللغة العربية والتي وصلت إلى الشبكة البينية في مرحلة متأخرة أظهرت تقدماً في الأعوام الأخيرة حيث أن عدد مستخدمي الشبكة البينية باللغة العربية تزايد بشكل كبير.
فهناك العديد من المواطنين والأفراد في المنطقة العربية لا تتحدث أية لغات أخرى سوى العربية، وهناك ممن يهتمون بالثقافة العربية، ومنهم:
– متحدثون باللغة العربية ممن يشعرون براحة أكثر مع اللغة العربية.
– مواطنون عرب ممن يرغبون في الاتصال بالتطبيقات العربية.
– أشخاص من أصل عربي مهتمون بالثقافة والمعلومات العربية.
– المجتمع الدولي، المهتم بالثقافة والمعلومات العربية.
وتوجد بعض الدول العربية التى تظهر نشاط حقيقي في فضاء الشبكة البينية، في حين أن البعض الآخر مازال يفتقر إلى هذا النشاط المطلوب للقفز إلى الجيل التالي لأنشطة الشبكة البينية.
والحقيقة أنه توجد مؤشرات أخرى توضح أن العالم العربي هو ممثل جيد على الجانب الاستهلاكي، لكنه منتج ضعيف للمحتوى الأصيل سواء لاستخدامه أو للاستخدام العالمي. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد محتوى باللغة العربية على الشبكة البينية يكفى للاستفادة الكاملة من شبكات النطاق العريض التي بُنيت حديثاً، كما أن التكنولوجيا أصبحت أكثر تطوراً من المحتوى نفسه.
وترجع ندرة المحتوى الأصيل الذي تنتجه المنطقة لعدة أسباب، من بينها عدم تقدير قيمة الإبداع، وثقافة “النسخ واللصق” المنتشرة في العالم العربي وهذا بدوره يكون له تأثير عكسي على إنتاج المحتوى الأصيل.
صعوبات خلق المحتوى العربى:
بما أن الشبكة البينية تمنح لمستخدميها العديد من الحقوق والامتيازات، وفى مقدمتها الحق في الوصول إلى المعلومات، وعليه وفيما يتعلق بالمعلومات المتاحة، توجد قضايا هامة تواجه الدول النامية وهو استخدام لغاتهم الأم على الشبكة البينية وخلق المحتوى الخاص بهم. وقد أصبح لزاماً على هذه الدول مواجهة العديد من التحديات من أجل أن تكون قادرة على خلق مواقع على الشبكة العنكبوتية (مواقع ويب) بلغاتهم.
يا تًرى ما هي هذه الحواجز؟!
– الأمية (والتي أشرنا إليها من قبل).
– المعرفة بالكمبيوتر.
– المعرفة التقنية بأدوات خلق المحتوى.
– اللوائح الحكومية.
– سوء الفهم بين مستخدمي الشبكة البينية.
– الصعوبة التقنية بأدوات خلق المحتوى بغير اللغة الإنجليزية.
– غياب الدافع أو الحافز لخلق المحتوى.
– التكلفة العالية للاتصالات عن بعد.
– الإطار القانوني، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الملكية الفكرية.
– تسهيلات الدعم من التمويل ورأس المال المشترك.
– حجم السوق المحلى في كل دولة.
– غياب التمكين باللغة العربية للشبكة البينية.
إن الأعداد الآخذة في التزايد على نحو سريع للمشاهدين العرب في حاجة إلى محتوى باللغة العربية على الشبكة البينية، وينبغي عدم تهميش تطوير المحتوى هذا. ولسوء الحظ، لا يوجد مستخدمون بالقدر الكافي يخلقون محتوى باللغة العربية، ولا يوجد محتوى كافٍ باللغة العربية يحفز النفاذ إلى الشبكة البينية. ومشكلة المحتوى العربي هي مشكلة كم وجودة، حيث يوجد افتقار إلى مواقع شبكة عنكبوتية ذات جودة عالية تديرها شركات.
والمحتوى الجيد، لابد وأن يفي بالمعايير التالية:
– دقة واكتمال البيانات على الشبكة البينية.
– الاعتماد على المعلومات التي تم مراجعتها أو الإشارة إلى أصولها.
– معلومات ذات جودة وقيمة حقيقية.
– من المسئول عن المحتوى؟ – هل كل الروابط والمعلومات تم التحقق منها؟
– هل المعلومات منّوه عن مصدرها بشكل صحيح؟
– ما هو هدف المحتوى، ولماذا تم إنتاجه؟
– هل تم الكتابة لتاريخ آخر عملية تحديث.
– ما هي عدد الروابط التي لا تعمل في الصفحة الواحدة؟
– هل المحتوى محدد أم عام؟
وغيرها من المعايير الأخرى المتعددة.
كيف نأخذ المبادرة لزيادة المحتوى العربي على الشبكة البينية؟
على ضوء التطور الضعيف للمحتوى الديجيتال في العالم العربي، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً: على الرغم من أن العرب أظهروا نجاحاً في العديد من مجالات الأعمال التجارية لماذا يفتقدون إلى تحدى الوسائط الإعلامية الجديدة.
لن تنجح المنطقة بشكل متكامل في النهوض بالمعرفة الديجيتال، ما لم تنهض بكم المحتوى العربي على الشبكة البينية.
يعتقد الكثير أن سد فجوة المحتوى العربى على الشبكة البينية يكون:
بـ
ترجمة المحتوى الموجود على الشبكة البينية، بحيث يستخدم مزيج من الترجمة البشرية والترجمة الآلية.
بـ
التغلب على الصعوبات والعوائق من أجل خلق مواقع على الشبكة العنكبوتية بلغاتها المستقلة، وخاصة تلك الصعوبات الفنية التي تتصل بأدوات خلق المحتوى بلغات أخرى غير الإنجليزية.
قضية المصطلح:
الرسالة التي يوصلها المحتوى إلى القارئ عبر الشبكة البينية تُبنى على النص وعلى مجموعة من المصطلحات، وتوجد العديد من المصطلحات في اللغات المختلفة ليس لها مصطلح مطابق بسهولة في اللغة العربية مما يخلق نوعاً من الغموض غير المقبول في الترجمة. وعلى الجانب الآخر، هناك بعض المصطلحات التي يتم ترجمتها بشكل خاطئ ويصبح هذا الخطأ متداولاً “الخطأ الشائع” في الثقافة العربية، والمشكلة تكمن مع هذه المصطلحات في أنها لا تنقل المعنى المقصود منها وبالتالي الافتقاد إلى الرسالة التي توجهها عند استخدامها باللغة العربية.
النجاح في ترجمة هذه المصطلحات لإعطاء نفس المعنى الموجودة عليه (في النص الأصلي) قضية حاسمة لنجاح المحتوى بأكمله.
ومن أجل محتوى عربي قوياً، لابد وأن تكون هناك نظم خاصة بإدارة المصطلحات لضمان دقة معنى المصطلحات المترجمة، ولضمان ثباتها عند الاستخدام في النص بأكمله.
ومن الممكن أيضا خلق مصطلحات عربية “مصنعة خصيصاً” لتعبر بدقة عن المعنى الفعلي لمصطلحات اللغة المصدر، مع تقديم شرح مبسط لهذا المعنى الفعلي (مَسْرد بالكلمات العسيرة مع وجود شرح لها).
وبالإضافة إلى قضية المصطلح، لا يوجد مدقق نحوى أو إملائي نتيجة لضعف دعم برامج اللغة العربية، كما لا توجد محركات بحث قوية على المستوى اللغوي تعي بجوانب اللغة العربية. وعليه نجد أن اللغة العربية تفتقد إلى الكثير من أوجه التطور اللغوي للتعامل معها على قدم مساواة مع اللغات المتطورة تقنياً (تكنولوجياً)، ولذلك نجد أن اللغة العربية يٌطلق عليها “لغة نامية تكنولوجياً”.
حقاً، أصبح لزاماً علينا بوصفنا دول تتحدث اللغة العربية أن نطورها للتعامل مع الاحتياجات المستجدة.
نحن في حاجة ماسة إلى الكتب والقواميس المتخصصة الحديثة مثل قواميس المرادفات التي تقدم قوائم بالكلمات في صورة مجموعات متصلة مع بعضها البعض دلاليا (تحتوى هذه القواميس على المرادفات وفى بعض الأحيان على الكلمات المضادة)، وهذا بعكس القواميس التي تحتوى على تعريف ونطق للكلمات، كما أننا بحاجة إلى أعمال مرجعية مبسطة تقدم المعرفة الموجزة لكن الشاملة مثل الخلاصات الوافية .. وغيرها من الكتب المرجعية الأخرى.
بـ
تطوير البنية التحتية، فمن الممكن أن توجه الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني المساعي بشكل مباشر لتطوير البنية التحتية، وبمجرد أن يحدث التطوير ستتوالى الفوائد. ويندرج تحت سبل تطوير البنية التحتية العوامل التالية: خلق فرص عمل وتغيير ظروف بيئة العمل الموجودة وخاصة فيما يتصل بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخلق نظم جديدة للتعليم وللملكية الفكرية وللمعرفة المفتوحة.
كل هذه الحلول سوف تضع العالم العربي على طريق مجتمع المعلومات.
بـ
الجيل الجديد، ما يقرب من 65% من سكان المنطقة العربية تحت سن الـ (25) عاماً. والسكان الصغار في السن تعنى الطاقة والأفكار الإبداعية. وهنا تتاح الفرصة للعالم العربي باستثمار جيل المستقبل هذا.
بـ
تبنى الانفتاح الديجيتال الذي يساهم في تطوير نماذج الشراكات والأعمال الجديدة وتعزيزها، حيث يسمح هذا الانفتاح لشعوب المنطقة في كافة أنحائها ببناء والمساهمة في الثروة المشتركة من المعلومات والابتكارات والتقدم، وفى الوقت ذاته يظهر الاحترام للمبدعين.
وتكراراً
بـ
خلق المحتوى الجديد الأصيل لأنه هو المفتاح. ولا يمكن أن يكون المحتوى العربى تكراراً لما هو موجود على مواقع اللغة الإنجليزية بهذه السهولة لوجود بعض التعقيدات من اختلاف اللهجات .. وغيرها من الحلول الأخرى.
صحيح أن العالم العربي بدأ بالفعل يخطو في مجال توليد المحتوى، لكنه يجب أن يكون محتوى أصيل تتوافر له جودة، وبوصفنا مستخدمي للشبكة البينية نتحدث باللغة العربية، فنحن بحاجة إلى العديد من المواقع والصفحات التي تمكننا من العثور على ما نبحث عنه.
إن عالمنا العربي متفرد بغناه في الحضارات، لكنه يساهم بالقدر الصغير نسبياً بمحتواه في العالم الديجيتال.